الخميس، ٣٠ ربيع الآخر ١٤٢٨ هـ

استراحة 1


اليوم إنا متعب وليس لدي رغبة في الكتابة ، لذلك أتوقف قليلا مع هذه الاستراحة


كَفِّنُوهُ ! وادْفِنُوهُ !أَسْكِنُوهُ هُوَّةَ اللَّحْدِ العَمِيقْ - وَاذْهَبُوا لاَ تَنْدِبُوهُ ، فَهْوَ شَعْبٌ مَيِّتٌ لَيْسَ يُفِيقْ .
ذَلَّلُوهُ ، قَتَّلُوهُ ،حَمَّلُوهُ فَوْقَ مَا كَانَ يُطِيقْ - حَمَلَ الذُّلَّ بِصَبْرٍ مِنْ دُهُورٍ فَهْوَ فِي الذُّلِّ عَرِيقْ .
هَتْكُ عِرْضٍ ، نَهْبُ أَرْضٍ ، شَنْقُ بَعْضٍ لَمْ تُحَرِّكْ غَضَبَـهْ- فَلِمَاذَا نَذْرِفُ الدَّمْعَ جُزَافَـاً ؟ لَيْسَ تَحْيَا الحَطَبَـةْ !
لاَ ، وَرَبِّي مَا لِشَعْبِ دُونَ قَلْبِ غَيْر مَوتٍ مِنْ هِبَـة- ْفَدَعُوا التَّارِيخَ يَطْوِي سِفْرَ ضُعْفٍ وَيُصَفِّي كُتُبَـهْ .
وَلْنُتَاجِرْ فِي المَهَاجِرْ وَلْنُفَاخِرْ بِمَزَايَانَا الحِسَانْ- مَا عَلَيْنَا إِنْ قَضَى الشَّعْبُ جَمِيعَاً ،أَفَلَسْنَا فِي أَمَانْ
رُبَّ ثَارٍ ، رُبَّ عَارٍ ، رُبَّ نَارٍ ،حَرَّكَتْ قَلْبَ الجَبَانْ- كُلُّهَا فِينَا وَلَكِنْ لَمْ تُحَرِّكْ سَاكِنَاً إلاَّ اللِسَانْ
قصيدة النهاية - لنسيب عريضة

أعذار واهية

حسنا..
نحن لا نكاد نعرف شيءً أمة جاهلة متخلفة نائمة ، ولا أريد أن أقول ميتة
و هم بالمقابل يعرفون الكثير (الغير طبعا)، يعرفون الكثير عن أنفسهم و عنا و عن الطبيعة و نواميسها، و هم يستعملون هذه المعرفة ، و نحن لم نتوصل حتى إلى بديهيات الحوار المنطقي بيننا و بين بعضنا، حتى على أرقى المستويات المعرفية (أساتذة الجامعات مثلا).
و المعرفة هي القوة ، و قي هذا العصر على وجه الخصوص، و بالنسبة لهم : القوي فقط هو من يستحق الحياة. و على أحسن الظروف ؛ المفيد و المنتج هو من يستحق الحياة، و للأسف نحن لسنا هذا و لا ذاك.
و ما السبب في هذا الجهل؟ و الابتعاد عن العلم؟ بل و النفور منه إلى أقصى حد - و يفترض بنا أن نكون أمة "اقرأ". الرجاء استبعاد الحكام و الأنظمة و غيرها... أنا لا أدافع عنهم مطلقا. و لكن حتى لا نجعلهم شماعة نعلق عليها أخطائنا ، و نقول : ما باليد حيلة . ثم نضع في بطوننا "بطيخة صيفي " و ننام.
يا إخواننا .. الحكام لم يمنعوا أحدا من التعلم أو التثقف، و لم يحبسوا أحدا لأنه صلى أو لأنه لم يشرب الخمر أو لم يقامر أو لم يغش أو لم يرتكب الفواحش.
إذا ما السبب؟
الأمية؟
ارتفاع ثمن الكتاب؟
الفقر؟
السعي وراء لقمة العيش وعدم وجود الوقت الكافي؟
خطأ... ثم خطأ ... ثم ألف خطأ.
السبب هو نفوسنا الهابطة الخانعة المتخاذلة الذليلة.
إن من يعاني من الأسباب التي ذكرتها آنفا - و بشكل فعلي - لا تتعدى نسبتهم 2% من مجموع الأمة ، وهي نسبة مهملة كما يقول المهندسون ، أو معفي عنها كما يقول الفقهاء.
فقد كان يتم محو الأمية ( الحروفية) خلال أسبوعين فقط ، في كُتّاب القرية أو الحي. ثم يبدأ الطالب بالكتابة على اللوح - إملاء- و حفظ القرآن، و ماأن ينهي جزء "عم" حتى يكون قادرا على القراءة و الكتابة بشكل ممتاز. هذه مشكلة و انتهينا منها.

أما الفقر و ارتفاع ثمن الكتاب، فهذا أيضا عذر سخيف ليس إلا ، فمن منا لا يستطيع شراء كتاب واحد بدولار أو اثنين كل شهر، أو كل شهرين (ندفع أكثر من ذلك في السجائر و الشاي و ما شابه)، و يمكن أن يقرأ الكتاب كل أفراد الأسرة ثم نبادل به مع الأصدقاء و الأقارب و الجيران (كنا نفعل ذلك كثيرا في الماضي)، فتجد أنك قرأت بكتابك عشرات الكتب. فمن لم يستطع فعليه بسور "الأزبكية" (الكتب المستعملة الرخيصة) و هناك "أزبكية" في كل دول العالم، ومن لم يجد فعليه بالجريدة اليومية (ليس أخبار الفن و الرياضة و الحوادث ؛ بالطبع فتلك لا تعطينا أي شيء)، و من لم يجد فعليه بالمكتبة العامة أو المركز الثقافي أو مكتبة المسجد. فمن لم يستطع فعليه بقراءة القرآن أو التسبيح أو الدعاء أو مشاهدة البرامج الثقافية الهادفة في التلفزيون، أو سماعها في الراديو.... إلخ.
و الله إني ألاحظ أن أكثر الناس ليسرعون إلى تغيير المحطة بمجرد أن تبدأ في بث برنامج ديني أو ثقافي أو علمي، و تلهث أصابعهم على "الريموت" بحثا عن أغنية أو فلم أو مسلسل تافه.

أما الوقت،،، فحدث و لا حرج، الكل يبحث عما يقتل به الوقت " و الوقت طبعا هو حياتنا، أي هو نفسنا" ، الشارع، المقهى، النادي "الليلي و النهاري" الملهى، المنتزه، هذا طبعا غير الجلوس لساعات طوال أمام التلفزيون لمشاهدة ما ذكرنا من أفلام و مسلسلات، و غيرها. ثم الدردشة التي ملكنا زمامها بجدارة (الآن على الإنترنت كذلك) ، ثم لعب الورق و الشطرنج و "الداما" و الطاولة و "الدومينو" و غيرها.
هذا غير الوقت الذي يضيع منا أثناء التسوق و في زحمة السير و المراجعات المتعددة ، حتى على المعاملات الإدارية التافهة. و الحديث عن الوقت له شجووووون ، و قد أفسح له مقالات خاصة إن شاء الله و كان لي بقية عمر.

أرأيتم أنه ليس لنا عذر.

أذكر أن أحد الأصدقاء القدامى، كان قد تجاوز الثمانين من العمر، و كان – رحمه الله – يتمتع بثقافة عالية لا تجد نصفها عند خريجي الجامعات الآن، رغم أنه لم يدرس سوى إلى الصف الرابع الابتدائي، و لكنه كان يداوم على قراءة القرآن و مجموعة من كتب الفقه التي يملكها، و كان يداوم على اقتناء مجلتي العربي، و طبيبك، بالإضافة إلى ما يستطيع اقتناؤه من الكتب، رغم شظف العيش في تلك الأيام. و عندما فقد بصره في أواخر أيامه استمر على سماع التسجيلات القرآنية، و البرامج العلمية و الثقافية و نشرات الأخبار في الراديو، و خاصة على إذاعة الشرق الأوسط و لندن و صوت ألمانيا، فكان محيطا بما يجري في العالم ، و أصبحت أذناه مصدرا للثقافة بعد أن فقد عيناه، و لكنه تمسك بآية "إقرأ" و لم يعص ربه بتركها حتى وافاه الأجل.
و لا تنسوا (كما تكونوا يول عليكم)، و الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
و للحديث بقية إن شاء الله تعالى.